بسم الله الرحمن الرحيم
محل البحث: لمَّا حصَل في ليبيا، وغيرها مِن مَحْو بعض مدن بالكامل وجرفها إلى البحر من جراء السُّيول والفيضانات ونحوه، كتبت هذه المسألة في حينه. فهناك طائفة لم يعثر لهم على أثر بل حتى بيوتهم. فإنه من الواضح أنَّ مَن وجدوه صلّوا عليه واعتنوا بما يتعلّق بدفنه، الخ. ولكن من لم يجدوه، فهو موضع هذه المسألة من حيث الصلاة عليه. وبحسب ما اطلعت عيه من أخبار وأحوال المسلمين هناك: أنه يوجد عدد كبير في عداد المفقودين ممَّن جرفهم الفيضان والسَّيل ولا يعلم بهم . وهذا ما يتحدّث عنه الذين يعنيهم الأمر من المسئولين هناك.
في أصل المسألة وهي الصلاة على الغائب عدة أقوال، كما يلي:
* قالت طائفة: لا يصلى على الغائب وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي من خصوصياته.
* وذهب الجمهور إلى جواز الصلاة على الغائب .
واختلفوا :
- فقيل: تجوز على كل غائب وإن صُلّي عليه.
- وقيل: إن كان له نفع عام للمسلمين كالعالم فيُصلى عليه وإلا اكتُفي بصلاة من حضره.
- وقيل: يصلى على من لم يُصلَّ عليه مِن موتى المسلمين.
وهذا أحسن الأقوال وأقربها إلى قصة النجاشي.
قلت: فيظهر لي -والله تعالى أعلم- أنه لو صلّوا صلاة الغائب وقصدوا ونووا مَن لم يُصلّ عليه مِن موتى المسلمين في الزلازل والفيضانات كان مشروعًا.
فإنهم يذكرون أشخصًا كثيرين لم يجدوهم، ولم يصل عليهم أحد، وربما لا ينتبه الناس لهذه المسألة لهول الحادث والانشغال التام بالبحث ونحوه، ولو نُبّهوا على ذلك لكان حسنًا.
وأهل غير بلد الفيضان ونحوه متى ما علموا أنهم في ذلك البلد صَلّوا صلاة الغائب على كل مَن لم يَجدوا له أثرًا ممن جرفهم الفيضان إلى البحر فيكتفى بصلاتهم. وإلا فيشرع الصلاة عليهم.
وليس في المسألة إشكال إلا أنَّ كَون الميِّت غير مُعيَّن. ولا يُشترط تعيين الميت للصلاة عليه بالنسبة للمصلِّي متى ما تحقَّق الموت أو غلب على الظن. كما ذكره في كشاف القناع وغيره. وكما في الصلاة على بعض ميت. وكما في الصلاة على موتى مختلطين كفار ومسلمين فينوي المسلمين منهم.
وهذا اجتهاد مني في المسألة وأسأل الله التوفيق إلى الصواب. والله تعالى أعلم.